فصل: أنطاكية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 الاقليم الثالث

أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار ثلاثة أقدام ونصف وعشر وسدس عشر قدم وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفاً وعشرين وثلاثة عشر قدماً‏.‏

وهو يبتديء من المشرق فيمر على شمال بلاد الصين ثم الهند ثم السند ثم كابل وكرمان وسجستان وفارس والاهواز والعراقين والشام ومصر والاسكندرية وبرقة وإفريقية وينتهي إلى حد البحر المحيط‏.‏

وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم ثلاث عشرة ساعة ونصف وربح وفي وسطه أربع عشرة ساعة وفي آخره أربع عشرة ساعة وربع وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانمائة ألف وسبعمائة وأربعة وسبعون ميلاً وخمس وأربعون دقيقة وتكسيره مساحة ثلاثمائة ألف ألف وستة آلاف وأربعمائة وثمانية وخمسون ميلاً وتسع وعشرون دقيقة ولنذكر بعض بلاده مرتباً على حروف المعجم‏.‏

 أبرقوه

بلدة مشهورة بأرض فارس‏.‏

هم يسمونها دركوه يعني قرب الجبل لأن بها تلاً عظيماً‏.‏

حكي في أخبار الفرس أن سعدى بنت تبع كانت زوجة كيكاوس ملك الفرس عشقت ابن زوجها سياوش وراودته عن نفسه فامتنع عليها فأخبرت أباه أنه راودها كذباً عليه‏.‏

فغضب الملك على ابنه فأجج سياوش ناراً عظيمة بأبرقوه ليدخلها فإن كان بريئاً لا تعمل فيه النار وإن كان خائناً يحترق وكان هذا يمينهم فدخلها سياوش وخرج منها سالماً فانتفت منه التهمة فتأذى من أبيه وفارقه وذهب إلى افراسياب ملك الترك فأكرمه وزوجه ببنته ثم قيل لافراسياب‏:‏ انه يريد الغدر بك فأخذه وقتله فوقعت الخصومة بين الفرس والترك إلى هذا الوقت فذكر أن التل العظيم بأبرقوه رماد نار سياوش‏.‏

ومن عجائب ابرقوه أن المطر لا يقع في داخلها إلا قليلاً وإنما يقع في حواليها دون السور ويزعمون أن ذلك بدعاء الخليل عليه السلام وزعموا أن الخليل عليه السلام منعهم عن استعمال البقر في الزرع وهم لا يستعملونها مع كثرتها بها‏.‏

 أبسوج

قرية بمصر في غربي النيل بها بيعة خاصيتها دفع الفأر وذاك على بابها صورة فأرة في جحر والناس يأخذون طين النيل ويطبعونه على صورة الفأرة التي في الجحر ويحملونه إلى بيوتهم وتهرب الفأر عن بيوتهم‏.‏

وذكر أهل القرية أن مركباً كان فيه شعير وقف تحت هذه القرية فقصد صبي من المركب وأخذ شيئاً من طين النيل وطبع به الفأرة ونزل المركب بالطين المطبوع فتبادرت فأر المركب ترمي نفسها في الماء‏.‏

فتعجب الناس من ذلك وجربوه في البيوت أيضاً وكان أي طابع حصل في دار لم تب فيها فأرة إلا خرجت فتقتل أو تفلت إلى موضع لا طابع فيه‏.‏

فأخذ أكثر الناس الطابع وتركوه في بيتهم‏.‏

 أبيار

مدينة بقرب الإسكندرية‏.‏بها معدن النطرون‏.‏

من عجائبه أن كل شيء يقع فيه يصير نطروناً حتى لو وقع فيه ثور يصير نطروناً بجميع أجزائه والنطرون نوع من البورق يستعمل في الأدوية‏.‏

 أجر

قرية في إفريقية بقرب القيروان لها حصن وقنطرة عجيبة في موضع زعر كثيرة الحجارة من عجائبها ان الريح العاصف دائمة الهبوب بها وأرضها مأسدة الأسود بها كثيرة فلا تخلو من الريح العاصف والأسد القاصف‏.‏

 إخميم

بلدة صغيرة عامرة بالنخيل والزروع على النيل الشرقي‏.‏

من عجائبها الجبل الذي في غربيها من أصغى إليه سمع صوتاً كخرير الماء ولغطاً شبيهاً بكلام ولم تعرف حقيقة ذلك‏.‏

وبها البرابي التي هي من عجائب مصر‏.‏

والبربا عبارة عن بيت عمل فيه شجر أو طلسم‏.‏

وبربا اخميم بيت فيه صور ثابتة في الحجارة بادية إلى الآن موجود‏.‏

ذكر في كتاب أخبار مصر انه لما أغرق الله تعالى فرعون وجنوده في البحر خلت مصر عن الرجال الأجناد‏.‏

وكانت امرأة من بيت الفراعنة يقال لها دلوكة أرادت أن يبقى عليها اخميم لا يطمع فيها الملوك لعدم الأجناد‏.‏

وكان في زمانها ساحرة يقدمها سحرة مصر في علم السحر يقال لها تدورة فقالت لها دلوكة‏:‏ احتجنا إليك في شيء تصنعينه يكون حرزاً لبلادنا ممن يرومه من الملوك إذ بقينا بغير رجال‏.‏

فأجابتها إلى ما أرادت وصنعت لها بربا وهو بيت له أربعة أبواب إلى أربع جهات وصورت فيها السفن والرجال والخيل والبغال والحمير وقالت‏:‏ قد عملت لك شيئاً يغنيك عن الرجال والسلاح والحصن فإن من أتاكم من البر يكون على الخيل والبغال والحمير وان من أتاكم من البحر يكون في السفن فعند ذلك تحركت الصور التي هي مثلهم وتشاكلهم فما فعلتم بالصور أصابهم مثل ذلك في أنفسهم‏.‏

فكان بعد ذلك إذا أتاهم عدو تحركت الصور فقطعوا سوق الدواب وفقأوا عيون الرجال وبقروا بطونهم فيصيبهم مثل ذلك‏.‏

وهذه الحكاية وإن كانت وينسب إليها أبو الفيض ذو النون المصري ابن إبراهيم الاخميمي‏.‏

انه كان أوحد وقته علماً وورعاً وأدباً‏.‏

وله حالات عجيبة أعجب من البرابي حكى سالم بن عبد الله المغربي قال‏:‏ سألت ذا النون عن سبب توبته فقال‏:‏ انه عجيب لا تطيقه‏!‏ فقلت‏:‏ وحق معبودك الا أخبرتني ‏!‏ فقال‏:‏ خرجت من مصر أريد بعض القرى فنمت في بعض الطريق ففتحت عيني فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من وكرها على الأرض فانشقت الأرض فخرجت منها سكرجتان إحداهما ذهب والأخرى فضة وفي إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء فجعلت تأكل من هذا وتشرب من هذا فقلت‏:‏ حبي لزمت الباب حتى قبلني‏.‏

توفي سنة خمس وأربعين ومائتين‏.‏

وحكى يوسف بن الحسين قال‏:‏ بلغني أن ذا النون يعرف اسم الله الأعظم فقصدت مصر وخدمته سنة ثم قلت له‏:‏ أيها الأستاذ أثبت عليك حق الخدمة أريد أن تعرفني اسم الله الأعظم ولا تجد له موضعاً مثلي‏.‏

فسكت حتى أتى على هذا ستة أشهر ثم أخرج لي يوماً طبقاً ومكنةً مشدوداً في منديل وكان ذو النون بالجيزة قال لي‏:‏ أتعرف صديقنا فلاناً بالفسطاط قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ أريد أن تؤدي إليه هذا‏.‏

قال‏:‏ فأخذت الطبق وامشي طول الطريق وأتفكر في ذلك فلم أصبر حتى حللت المنديل ورفعت المكنة فإذا فأرة على الطبق أفلتت ومرت فاغتظت من ذلك وقلت له‏:‏ إنه يسخر بي‏!‏ فرجعت إليه مغتاظاً فلما رآني عرف ما في وجهي فقال‏:‏ يا أحمق ائتمنتك على فأرة فخنتني‏!‏ أفآتمنك على اسم الله الأعظم مر عني لا أراك‏.‏

 أرجان

مدينة مشهورة بأرض فارس بناها قباذ بن فيروز والد أنوشروان العادل قال ابن الفقيه‏:‏ من عجائبها كهف في حبل ينبع منه ماء شبيه بعرق يترشح من حجارته يكون منه الموميا الجيد الأبيض وعلى هذا الكهف باب حديد وحفظة يغلق ويختم بختم السلطان إلى يوم من السنة يفتح فيه ويحضر القاضي ومشايخ البلد ويدخل الكهف رجل عريان فيجمع ما قد اجتمع فيه من الموميا ويجعله في قارورة فيكون مقدار مائة مثقال أو دونها ثم يغلق الباب ويختم إلى القابل‏.‏

وخاصيته أن الأنسان إذا سقي منه مقدار عدسة وقد انكسر من أعضائه شيء أو انهشم ينرل كما يشربه إلى الكسر والهشم ويصلحه‏.‏

وبها قنطرة عجيبة على نهر طاب وهي قوس واحدة سعة ما بين القائمتين ثمانون خطوة وارتفاعها مقدار ما يخرج منها راكب الجمل وبيده أطول الأعلام‏.‏

وبها بئر صاهك‏.‏

ذكر أهل ارجان‏:‏ أنهم امتحنوا قعرها بالمثقلات والارسان فلم يقفوا منها وإليها ينسب الفضل بن علان من أعيان أرجان كان به حمى الربع‏.‏

قيل له‏:‏ ان النعمان بن عبد الله يقدم غداً والوجه أن تتلقاه‏.‏

فقال‏:‏ كيف ذلك وغداً نوبة الحمى لكن يا غلام هات اللحاف حتى أحم اليوم وغداً أتلقى الرجل‏!‏ الأردن ناحية بأرض الشام في غربي الغوطة وشماليها وقصبتها طبرية بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام بها البحيرة المنتنة التي يقال لها بحيرة طبرية‏.‏

ودورة البحيرة ثلاثة أيام والجبال تكتنفها فلا ينتفع بهذه البحيرة ولا يتولد فيها حيوان وقد يهيج في بعض الأعوام فيهلك أهل القرى الذين هم حولها كلهم حتى تبقى خالية مدة ثم يأتي يسكنها من لا رغبة له في الحياة‏.‏

وان وقع في هذه البحيرة شيء لا يبقى منتفعاً به حتى الحطب إذا وقع فيها لا تعمل النار فيه البتة وذكر ابن الفقيه أن الغريق فيها لا يغوص بل يبقى طافياً إلى أن يموت ويخرج من هذه البحيرة حجر على شكل البطيخ يقال له الحجر اليهودي ذكره الفلاسفة واستعمله الأطباء لحصاة المثانة وهو نوعان‏:‏ ذكر وأنثى فالذكر للرجال والأنثى للنساء‏.‏

وبها منزل يعقوب النبي عليه السلام وبها جب يوسف الصديق وإلى الآن باق والناس وينسب إليها الحواريون القصارون قال لهم عيسى عليه السلام‏:‏ من انصاري إلى الله قال الحواريون‏:‏ نحن أنصار الله‏.‏

 أريحا

مدينة بقرب بيت المقدس من أعمال الأردن بالغور‏.‏

ذات نخل وموز وسكر كثير وهي قرية الجبارين التي أمر الله موسى عليه السلام بدخولها فقال موسى لبني إسرائيل‏:‏ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم يعني أرض الشام فخرج موسى من مصر بستمائة ألف مقاتل عازماً للشام فلما وصلوا إلى البرية التي بين مصر والشام بعث موسى اثني عشر نقيباً من كل سبط واحداً رسولاً إلى الجبارين ليعرفوا حالهم فلما قربوا من أريحا تلقاهم رجل من العمالقة سألهم عن حالهم فقالوا‏:‏ إنا رسل موسى رسول الله إليكم‏.‏

فجعلهم في كمه كما يجعل أحدنا في كمه العصافير وذهب بهم إلى ملك العمالقة ونفضهم بين يديه وقال‏:‏ هؤلاء الذين يريدون قتالنا‏!‏ أتأذن لي أن أطأهم بقدمي أفسخهم فقال الملك‏:‏ لا اتركهم حتى يرجعوا إلى قومهم يعرفونهم حالنا وقوتنا وضعفهم‏.‏

فرجع النقباء وذكروا للقوم ما شاهدوا فامتنع القوم عن دخول الشام وقالوا‏:‏ إن فيها قوماً جبارين‏.‏

وكان من النقباء يوشع بن نون ابن عم موسى وكالب بن يوفنا زوج أخت موسى قالا‏:‏ يا قوم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون‏!‏ وجد موسى وهارون جداً عظيماً فقالوا‏:‏ إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فينا فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون‏.‏

فحبسهم الله تعالى في التيه أربعين سنة فماتوا كلهم سوى يوشع وكالب وأوحى الله تعالى إلى يوشع فدخل الشام بأولاد الممتنعين وفتحها فأمرهم الله تعالى أن يدخلوا مدينة أريحا سجداً لله تعالى شكراً قائلين‏:‏ حطة‏!‏ أي سؤالنا حط ذنوبنا‏.‏

وكانوا يدخلونها على استاههم قائلين حنطة فسخط الله عليهم ورماهم بالطاغين فهلك منهم آلاف مؤلفة وذلك قوله تعالى‏:‏ فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون‏.‏

 الإسكندرية

وهي المدينة المشهورة بمصر على ساحل البحر‏.‏

اختلف أهل السير في بانيها‏:‏ فمنهم من ذهب إلى أن بانيها الإسكندر الأول وهو ذو القرنين اشك بن سلوكوس الرومي الذي جال الأرض وبلغ الظلمات ومغرب الشمس ومطلعها وسد على يأجوج ومأجوج كما أخبر الله تعالى عنه وكان إذا بلغ موضعاً لا ينفذ اتخذ هناك تمثالاً من النحاس ماداً يمناه مكتوباً ومنهم من قال بناها الإسكندر بن دارا ابن بنت الفيلسوف الرومي شبهوه بالإسكندر الأول لأنه ذهب إلى الصين والمغرب ومات وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة والأول كان مؤمناً والثاني كان على مذهب أستاذه أرسطاطاليس وبين الأول والثاني دهر طويل‏.‏

قيل‏:‏ إن الإسكندر لما هم ببناء الإسكندرية وكانت قديماً من بناء شداد بن عاد كان بها آثار العمارة والأسطوانات الحجرية ذبح ذبائح كثيرة للقرابين ودخل هيكلاً كان لليونانيين وسأل ربه أن يبين له أمر هذه المدينة هل يتم أم لا فرأى في منامه قائلاً يقول له‏:‏ إنك تبني هذه المدينة ويذهب صيتها في الآفاق ويسكنها من الناس ما لا يحصى عددهم وتختلط الرياح الطيبة بهوائها ويصرف عنها السموم ويطوى عنها شدة الحر والزمهرير ويكعم عنها الشرور حتى لا يصيبها من الشياطين خبل وان جلبت الملوك إليها جنودهم لا يدخلها ضرر‏.‏

فأتى الإسكندر موضعها وشاهد طيب هوائها وآثار العمارة القديمة وعمداً كثيرة من الرخام فأمر بحث الصناع من البلاد وجمع الآلة واختيار الوقت لبنائها فاختاروا وقتاً وعلقوا جرساً حتى إذا حرك الجرس الصناع يضعون البناء من جميع أطرافها في وقت واحد فإذا هم مترقبون طار طير وقع على الجرس فحركه فوضعوا البناء‏.‏

قيل ذلك للاسكندر فقال‏:‏ أردت طول بقائها وأراد الله سرعة خرابها ولا يكون إلا ما أراد الله فلا تنقضوها‏.‏

فلما ثبت أساسها وجن الليل خرجت من البحر دابة وخربت ما بنوا فلم يزل يحكمها كل يوم ويوكل بها من يحفظها فأصبحوا وقد خربت‏.‏

فأمر الإسكندر باتخاذ عمد عليها طلسم لدفع الجن فاندفع عنها أذيتهم‏.‏

قال المسعودي‏:‏ الأعمدة التي للطلسم عليها صور وأشكال وكتابة باقية إلى زماننا كل عمود طوله ثمانون ذراعاً عليها صور وأشكال وكتابة فبناها الإسكندر طبقات تحتها قناطر بحيث يسير الفارس تحتها مع الرمح‏.‏

وكان عليها سبعة أسوار وهي الآن مدينة كثيرة الخيرات قال المفسرون‏:‏ كانت هي المراد من قوله تعالى‏:‏ وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً‏.‏

وكان بها يوم الزينة واحتجاج موسى والسحرة‏.‏

وكان موسى قبل الإسكندر بأكثر من ألف سنة‏.‏

بها مجلس سليمان عليه السلام قال الغرناطي‏:‏ إنه خارج الإسكندرية بنته الجن منحوتاً من الصخر بأعمدة الرخام لا مثل لها كل عمود على قاعدة من الرخام وعلى رأسه مثل ذلك والرخام أبيض منقط بحمرة وسواد مثل الجزع اليماني طول كل عمود ثلاثون ذراعاً ودورته ثمانية أذرع وله باب من الرخام وعتبته وعضادتاه أيضاً من الرخام الأحمر الذي هو أحسن من الجزع وفي هذا المجلس أكثر من ثلاثمائة عمود كلها من جنس واحد وقد واحد وفي وسط هذا المجلس عمود من الرخام على قاعدة رخامية طوله مائة وإحدى عشرة ذراعاً ودوره خمسة وأربعون شبراً إني شبرتها بشبري‏.‏

ومن عجائبها عمود يعرف اليوم بعمود السواري قريب من باب الشجرة من أبواب الإسكندرية فإنه عظيم جداً كأنه منارة عظيمة وهو قطعة واحدة منتصب على قاعدة من حجر عظيم مربع وعلى رأسه حجر آخر مثل القاعدة كأنه بيت فإن تحت ذلك من مقطعه وانتصابه ورفع الحجر الفوقاني على رأسه يدل على أن فاعليه كانوا في قوة شديدة وكانوا بخلاف أهل زماننا‏.‏

ومن عجائبها ما ذكر أبو الريحان في الآثار الباقية ان بالإسكندرية اسطوانة متحركة والناس يقولون إنها تتحرك بحركة الشمس وإنما قالوا ذلك لأنها إذا مالت يوضع تحتها شيء فإذا استوت لا يمكن أخذها وإن كان خزفاً أو زجاجاً يسمع تقريعه وكانت الإسكندرية مجمع الحكماء وبها كان معاريجهم مثل الدرج يجلس عليها الحكماء على طبقاتهم فكان أوضعهم علماً الذي يعمل الكيمياء فإن موضعه كان على الدرجة السفلى‏.‏

ومن عجائبها المنارة أسفلها مربع من الصخر المنحوت وفوق ذلك منارة مثمنة وفوق المثمنة منارة لطيفة مدورة طول الأولى تسعون ذراعاً والمثمنة مثل ذلك وطول اللطيفة المدورة ثلاثون ذراعاً وعلى أعلى المنارة مرآة وعليها موكل ينظر إليها كل لحظة فإذا خرج العدو من بلاد الروم وركب البحر يراه الناظر في المرآة ويخبر القوم بالعدو فيستعدون لدفعه‏.‏

وكانت المرآة باقية إلى زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان فأنفذ ملك الروم شخصاً من خواصه ذا دهاء فجاء إلى بعض الثغور وأظهر أنه هارب من ملك الروم ورغب في الإسلام وأسلم على يد الوليد بن عبد الملك واستخرج له دفائن من أرض الشام‏.‏

فلما صارت تلك الأموال إلى الوليد شرهت نفسه فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين إن ههنا أموالاً ودفائن للملوك الماضية‏.‏

فسأله الوليد عن مكانه فقال‏:‏ تحت منارة الإسكندرية فإن الإسكندر احتوى على أموال شداد بن عاد وملوك مصر والشام فتركها في آزاج وبنى عليها المنارة‏.‏

فبعث الوليد معه قوماً لاستخراجها فهم نقضوا نصف المنارة وأزيلت المرآة فضجت الناس من أهل الإسكندرية‏.‏

فلما رأى العلج ذلك وعلم أن المرآة أبطلت هرب بالليل في مركب نحو الروم وتمت حيلته‏.‏

والمنارة في زماننا حصن عال على نيق جبل مشرف على البحر في طرف جزيرة بينها وبين البر نحو شوط فرس ولا طريق إليها إلا في البحر المالح وهي مربعة ولها درج واسعة يصعدها الفارس بفرسه‏.‏

وقد سقفت الدرج بحجارة طوال مركبة على الحائطين المكتنفين للدرجة فترتقي إلى طبقة عالية مشرفة على البحر بشرفات محيطة وفي وسطه حصن آخر يرتقى إليه بدرجة أخرى فيصعد إلى طبقة أخرى لها شرفات وفي وسطها قبة لطيفة كأنها موضع الديدبان‏.‏

وحكي أن عبد العزيز بن مروان لما ولي مصر جمع مشايخها وقال‏:‏ إني أريد أن أعيد بناء الإسكندرية إلى ما كانت‏.‏

فقالوا‏:‏ انظرنا حتى نتفكر‏.‏

فقال‏:‏ أعينوني بالرجال وأنا أعينكم بالمال‏.‏

فذهبوا إلى ناووس وأخرجوا منه رأس آدمي وحملوه على عجلة ووزنوا سناً من أسنانه فوجودها عشرين رطلاً على ما بها من النخر والقدم فقالوا‏:‏ جئنا بمثل هؤلاء الرجال حتى نعيدها إلى ما كانت‏.‏فسكت‏.‏

بها عين مشهورة بعين الإسكندرية فيها نوع من الصدف يوجد في كل وقت لا يخلو منه في شيء من الأوقات يطبخ وتشرب مرقته تبريء من الجذام‏.‏

والله الموفق‏.‏

 أسيوط

مدينة في غربي النيل من نواحي الصعيد في مستوى كثيرة الخيرات عجيبة المتنزهات وعجائب عماراتها وصورها مما يرى لا مما يذكر‏.‏

ولما صورت الدنيا للرشيد لم يستحسن غير كورة اسيوط لكثرة ما بها من الخيرات والمتنزهات‏.‏

فيها سبع وخمسون كنيسة للنصارى‏.‏ومن عجائبها ان بها ثلاثين ألف فدان ينشر ماؤها في جميعها وإن كان قليلاً لاستواء سطح أرضها ويصل الماء إلى جميع أقطارها‏.‏

وبها الأفيون المصري الذي يحمل إلى سائر البلاد وهو عصارة ورق الخشخاش الأسود والخس‏.‏

وبها سائر أنواع السكر ومنها يحمل إلى جميع الدنيا‏.‏

وبها مناسج الديبقي والثياب اللطيفة التي لا يوجد مثلها في شيء من البلاد‏.‏

 إصطخر

مدينة بأرض فارس قديمة لا يدرى من بناها كان سليمان عليه السلام يتغدى بأرض الشام ببعلبك ويتعشى بإصطخر‏.‏

بها بيت نار عظيم للمجوس ويقولون إنه كان مسجد سليمان عليه السلام قال المسعودي‏:‏ إنه خارج المدينة دخلته فرأيت بنياناً عجيباً وأساطين صخر عجيبة على أعلاها صور من الصخر عظيمة الأشكال‏.‏

ذكر أهل الموضع أنها صور الأنبياء وهو في سفح جبل وهو هيكل عظيم من عجائبه أن الريح لا تفارق ذلك الهيكل ليلاً ولا نهاراً ولا تفتر عن الهبوب ساعة يقولون‏:‏ ان سليمان عليه السلام حبس الريح فيه‏.‏وذكر ابن الأثير الجزري في تاريخه‏:‏ أن السلطان الب أرسلان لما فتح قلعة اصطخر وجد بها قدح فيروزج اسم جمشيد الملك مكتوب عليه‏.‏

ومن عجائبه تفاح بعضه حلو وبعضه حامض قال الاصطخري‏:‏ حدث بذلك الأمير مرداس بن عمرو فأنكر الحاضرون فأحضر حتى رأوه وزال إنكارهم‏.‏

وينسب إليها الاصطخري صاحب كتاب الأقاليم فإنه ذكر في كتابه النواحي المعمورة وذكر بلادها وقراها والمسافات بينها وخواص موضع ان كان له خاصية وما قصر في جميع ذلك الكتاب‏.‏

 إفريقية

مدينة كبيرة كثيرة الخيرات طيبة التربة وافرة المزارع والأشجار والنخل والزيتون وكانت افريقية قديماً بلاداً كثيرة والآن صحارى مسافة أربعين يوماً بأرض المغرب‏.‏

بها برابر وهم مزاتة ولواتة وهوارة وغيرهم‏.‏

وماء أكثر بلادها من الصهاريج‏.‏

وبها معادن الفضة والحديد والنحاس والرصاص والكحل والرخام‏.‏

ومن عجائبها بحيرة بنزرت حدثني الفقيه أبو الربيع سليمان الملتاني‏:‏ انه يظهر في كل شهر من السنة فيها نوع من السمك يخالف النوع الذي كان قبله فإذا انتهت السنة يستأنف الدور فيرجع النوع الأول وهكذا كل سنة‏.‏

وكذلك نهر شلف فإنه في كل سنة في زمان الورد يظهر فيه صنف من السمك يسمى الشهبوق وهو سمك طوله ذراع ولحمه طيب إلا أنه كثير الشوك ويبقى شهرين‏.‏

ويكثر صيدها في هذا الوقت ويرخص ثمنها ثم ينقطع إلى القابل فلا يوجد في النهر شيء منها إلى السنة القابلة أوان الورد‏.‏

وذكر أبو الحسن علي الجزري في تاريخه‏:‏ انه نشأت بافريقية في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وأربعمائة سحابة شديدة الرعد والبرق فأمطرت حجارة كثيرة وأهلكت كل من أصابته‏.‏

أفيق قرية من قرى مصر‏.‏

ذكر بعض الصالحين انه رأى في نومه ملكاً نزل من السماء وقال له‏:‏ أتريد أن تغفر ذنوبك قال الرجل‏:‏ منيتي ذلك‏!‏ فقال‏:‏ قل مثل ما يقوله مؤذن افيق‏.‏

قال‏:‏ فذهبت إلى افيق فرأيت المؤذن لما فرغ من الأذان قال‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير‏.‏

بها أشهد مع الشاهدين وأحملها مع الجاحدين وأعدها ليوم الدين‏.‏

وأشهد أن الرسول كما أرسل والكتاب كما أنزل والقضاء كما قدر وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور على ذلك أحيا وأموت وأبعث إن شاء الله تعالى‏.‏

أنصنا مدينة قديمة على شرقي النيل بأرض مصر قال ابن الفقيه‏:‏ أهل هذه المدينة مسخوا حجراً‏!‏ فيها رجال ونساء مسخوا حجراً على أعمالهم‏:‏ فالرجل نائم مع زوجته والقصاب يقطع لحمه والمرأة تخمر عجينها والصبي في المهد والرغفان في التنور كلها انقلبت حجراً صلداً‏.‏

وبأنصنا شجر اللبخ وهو عود ينشر لألواح السفينة ربما أرعف ناشره فيكون له قيمة وإذا شد لوح بلوح وترك في الماء سنة صار لوحاً واحداً فإذا اتخذ منها سفينة وبقي في الماء مدة صار كأن السفينة قطعة واحدة فلعل عزتها من هذه الجهة ولشجرته ثمرة تشبه البلح في لونه وشكله وطعمه‏.‏

 أنطاكية

مدينة عظيمة من أعيان المدن على طرف بحر الروم بالشام‏.‏

موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وفي داخلها مزارع وبساتين‏.‏

وانها بنتها انطاكية بنت الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام ذات سور وفصيل‏.‏

ولسورها ثلاثمائة وستون برجاً يطوف عليها أربعة آلاف حارس من عند صاحب القسطنطينة يضمنون حراستها سنةً ويستبدل بهم في السنة الثانية وسورها مبني على السهل والجبل من عجائب الدنيا‏.‏دورتها اثنا عشر ميلاً‏.‏

وكل برج من أبراجها منزل بطريق فسكنه بخدمه وخوله وجعل كل برج طبقات أسفله مرابط الخيل وأوسطه منزل الرجال وأعلاه موضع البطريق‏.‏

وكل برج كحصن عليه أبواب حديد وفيها ما لا سبيل إلى قطعه من الخارج‏.‏

والمدينة دائرة نصفها سهلي ونصفها جبلي وقطر الدائرة فاصلة بين السهلي والجبلي‏.‏

ولها قلعة عالية جداً تتبين من بعد بعيد تستر الشمس عن المدينة فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية‏.‏

وبها بيعة القسيان وهو الملك الذي أحيا ولده رئيس الحواريين فطرس كما جاء في القصة في قوله تعالى‏:‏ واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون‏.‏

وعلى باب بيعة القسيان صحنان لساعات الليل والنهار يعمل كل واحد اثنتي عشرة ساعة وفي بيعة القسيان من الخدم والمسترزقة ما لا يحصى ولها ديوان فيه بضعة عشر كاتباً‏.‏

والمدينة خمس طبقات على الطبقة الخامسة الحمامات والبساتين ومناظر حسنة وسبب ذلك أن الماء ينزل من الجبل المطل عليها وقد عملوا على الماء الحمامات والبساتين‏.‏

وفيها من الكنائس ما لا يعد كلها معمولة بالفص المذهب والزجاج الملون والبلاط المجزع‏.‏

وحماماتها أطيب الحمامات لأن ماءها العذب السيح ووقودها الآس‏.‏

قال المسعودي‏:‏ رأيت فيها من الماء ما يستحجر في مجاريها المعمولة من الخزف‏.‏

وحكي أنه كان بأنطاكية إذا أخرج الإنسان يده إلى خارج السور وقع عليه البق وإذا جذبها إلى داخل لا يبقى عليه شيء من البق إلى أن كسروا عموداً من رخام فوجدوا في أعلاه حقة من النحاس فيها بق من نحاس مقدار كف فبطلت تلك الخاصية من ذلك الوقت فالآن يعم البق جميع المدينة‏.‏

وبها نوع من الفأر يعجز السنور عنه‏.‏

وبها مسجد حبيب النجار صاحب يونس رحمة الله عليه الذي قال‏:‏ يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين‏.‏

فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى بصيحة وكان بأنطاكية مؤمنون وكفار فالصيحة ما أيقظت المؤمنين عن نومهم وأهلكت الكفار كما قال تعالى‏:‏ ان كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون‏.‏

ومسجد حبيب في وسط سوق انطاكية فيه قبره يزور الناس وبها قبر يحيى بن زكرياء عليه السلام‏.‏